كتاب: مجمع الأمثال **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأمثال **


1772- سَكَتَ أَلْفاً وَنَطَقَ خَلْفاً

الْخَلْفُ‏:‏ الرديء من القَوْل وغيره، قال ابن السكيت‏:‏ حدثني ابن الأعرابي قال‏:‏ كان أعرابي مع قوم فحبَقَ حَبْقَة، فتشور فأشار بإبهامه إلى إسْتِه وقال‏:‏ إنها خَلْفٌ نَطَقَتْ خلفاً‏.‏ونصب ‏"‏ألفا‏"‏ على المصدر‏:‏ أي سكت ألفَ سكتة ثم تكلم بخطأ‏.‏

1773- أَسَاءَ سَمْعاً فأَساءَ جَابَةً

ويروى ‏"‏سَاءَ سَمْعاً فأساءَ إجابة‏"‏ وساءَ في هذا الموضع تعمل عمل بئس، نحوقوله تعالى ‏(‏ساء مثلا‏)‏ ونصب سمعاً على التمييز، وأساء سمعاً نصب على المفعول به، تقول‏:‏ أسأت القولَ وأسأت العمل، وقوله‏"‏فأساء جابة‏"‏ هي بمعنى إجابة، يقال‏:‏ أجابَ إجابةً وجَابة وجَوَابا وجَيْبةً ‏.‏ ومثل الجابة في موضع الإجابة‏:‏ الطَّاعَة والطَّاقَة والغَارة والعَارَة، قال المفضل‏:‏ هذه خمسة أحرف جاءت هكذا ‏.‏قلت‏:‏ وكلها أسماء وُضِعت موضع المصادر‏.‏ قال المفضل‏:‏ إن أول من قال ذلك سُهَيل بن عَمْرو أخو بني عامر بن لؤي، وكان تزوج صفية بنت أبي جهل بن هشام، فولدت له أنَسَ بن سُهْيل، فخرج معه ذات يوم وقد خرج وَجْهُه، يريد الْتَحَىِ، فوقفا بحَزَوَّرَة مكة، فأقبل الأخنس ابن شَرِيق الثقفي، فقال‏:‏ مَنْ هذا‏؟‏ قال سهيل‏:‏ ابني، قال الأخنس‏:‏ حَيَّاكَ اللّه يا فتى، قال‏:‏ لا واللّه ما أمي في البيت، انطلَقَتْ إلى أم حنظلة تَطْحَنُ دقيقاً، فقال أبوه‏:‏ أساء سَمْعاً فأساء جَابة، فأرسلها مثلا، فلما رجَعا قال أبوه‏:‏ فَضَحَني ابنُكَ اليوم عند الأخنس قال كذا وكذا، فقالت الأم‏:‏ إنما ابني صبي، قال سهيل‏:‏ أشْبَهَ امرؤٌ بعضَ بَزِّه، فأرسلها مثلا‏.‏

1774- سُقطَ فِي يَدِهِ

يضرب لمن نَدِم‏.‏ ‏[‏ص 331‏]‏

وقال الأخفش‏:‏ يقال سُقِط في يده أي نَدِم، وقرأ بعضُهم ‏(‏ولما سُقِط في أيديهم‏)‏ كأنه أضمر الندم، وجوز أُسْقِطَ في يده، وقال أبو عمرو‏:‏ لا يقال ‏"‏أسْقِطَ‏"‏ بالألف على ما لم يُسَمَّ فاعلُه، وكذلك قال ثعلب، وقال الفراء والزجاج‏:‏ يقال سُقِط وأُسْقِطَ في يده، أي ندم‏.‏ قال الفراء‏:‏ وسُقِط أكثر وأَجْوَد، وقال أبو القاسم الزجاجي‏:‏ سُقِط في أيديهم نَظْم لم يسمع قبل القرآن، ولا عَرَفَتْهُ العرب، ولم يوجد ذلك في أشعارهم، والذي يدل على ذلك أن شعراء الإسلام لما سمعوا هذا النظم واستعملوه في كلامهم، خفي عليهم وجهُ الاستعمال، لأن عاداتهم لم تَجْرِ به، فقال أبو نواس‏:‏

ونَشْوَة سُقِطْتُ مِنْهَا في يدي*

وأبو نُوَاس هو العالم النحرير، فأخطأ في استعمال هذا اللفظ، لأن فُعِلْتُ لا يبنى إلا من فعل يتعدَّى، لا يقال رُغِبْتُ ولا يقال غُضِبْت، وإنما يقال‏:‏ رُغِبَ فيَّ وغُضِبَ عليَّ، قال‏:‏ وذكر أبو حاتم‏:‏ سَقَطَ فلان في يده أي ندم، وهذا خطأ مثل قول أبي نواس، هذا كلامه، قلت‏:‏ وأما ذكر اليد فلأن النادم يعضُّ على يديه، ويَضْرِبُ إحداهما بالأخرى تَحَسُّراً كما قال ‏(‏ويومَ يعضُّ الظالم على يَدَيْه‏)‏ وكما قال ‏(‏فأصْبَحَ يُقَلِّبُ كفيه على ما أنفق فيها‏)‏ فلهذا أضيف سقوط الندم إلى اليد‏.‏

1775- سَقَطَ فِي أُمِّ أَدْرَاصٍ

الدَّرْصُ‏:‏ ولد اليربوع وما أشبهه، وأُمُّ أَدْرَاصٍ‏:‏ اليربوع‏.‏

يضرب لمن وقع في داهية، قال طفيل‏:‏

وماأم أَدْرَاصٍ بليل مُضَلل * بأغْدَرَ من قَيْسٍ إذا الليلُ أَظْلَمَا

ويروى ‏"‏بأرض مضلة‏"‏‏.‏

1776- سَحَابُ نَوْءٍ مَاؤُهُ حَميِمٌ

يضرب لمن له لسان لطيف ومَنْظَر جميل وليس وَرَاءه خير‏.‏

1777- سَهْمُكَ يَا مَرْوَانُ ليِ شَبِيعُ

السهم الشبيع‏:‏ القاتل، قلت‏:‏ وهذا لفظ لم أسمعه إلا في هذا المثل، ولا أدري ما صحته، واللّه أعلم، وإنما وجدته في أمثال الإصطخري

قال‏:‏ يضرب لسيفهِ يَتَبَذَّى على حليم أي اعْدِلْ سهمك إلى مَنْ يُبَاذيك‏.‏

1778- السِّرُّ أَمَانَة

قاله بعض الحكماء، وفي الحديث المرفوع ‏"‏إذا حَدَّثَ الرجل بحديث، ثم الْتَفَتَ، فهو ‏[‏ص 332‏]‏ أمانة، وإن لم يستكتمه‏"‏ قال أبو محجن الثقفي في ذلك‏:‏

وأطعن الطَّعْنَةَ النَّجْلاَء عن عرض * وأكْتُمُ السِّرَّ فيِه ضَرْبَةُ الْعُنُقِ

1779- اسْتُ البَائِن أَعْلَمُ

البائن‏:‏ الذي يكون عند حَلْبِ الناقة من جانبها الأيسر، ويقال للذي يكون من الجانب الآخر‏:‏ المُعَلِّى، والمستعلى، وهو الذي يُعْلِى العُلْبة إلى الضَّرْع، والبائن‏:‏ الذي يحلب، ويقال بخلاف هذا، وهما الحالبان في قولهم ‏"‏خَيْرَ حَالبَيْكِ تَنْطَحِين‏"‏

وهذا المثل يروى أن قائله الحارث بن ظالم، وذلك أن الْجُمَيْح وهو مُنْقذ بن الطَّمَّاح خرج في طلب إبل له، حتى وقع عليها في قبيلة مرة، فاستجار بالحارث بن ظالم المُرِّي، فنادى الحارث مَنْ كان عنده شيء من هذه الإبل فليردَّها، فردَّتْ جميعاً غير ناقة يقال لها اللِّفْاع، فانطلق يَطُوف حتى وجدها عند رجلين يَحْلُبانها، فقال لهما‏:‏ خَلِّيا عنها فليست لكما، وأهْوَى إليهما بالسيف، فضَرَط البائنُ، فقال المعلى‏:‏ واللّه ما هي لك، فقال الحارث‏:‏ اسْتُ البائن أعلم، فأرسلها مثلا‏.‏

يضرب لمن ولى أمراً وصلى به فهو أعلم به ممن لما يمَارسه ولم يصل به‏.‏

1780- اُسْتٌ لَمْ تُعَوَّدِ الِمْجمَرَ

يقال‏:‏ إن أول مَنْ قال ذلك حاتم بن عبد اللّه الطائي، وذلك أنَّ ماوية بنت عَفْزَر كانت ملكة، وكانت تتزَّوج مَنْ أرادت، وربما بعثت غِلْمانا لها ليأتُوها بأوْسَمِ مَنْ يجدونه بالحِيرة، فجاؤها بحاتم، فقالت له‏:‏ استقدم إلى الفِراش، فقال‏:‏ اسْتٌ لم تُعَوَّدِ المجمر، فأرسلها مثلا‏.‏

1781- اُسْتُهُ أضْيَقُ مِنْ ذَلكَ

قاله مهلهل أخو كُلَيب لما أخْبَره هَمّام بن مُرَّة أن أخاه جَسَّاسَ بن مُرَّة قتل كليبا، وكان همام ومهلهل متصافين، فلما قتل جساس كليبا أخبر همام مهلهلا بذلك، فقال مهلهل هذا، استعباداً لما أخبر به‏.‏

1782- ساَعِدَايَ أحْرَزُ لَهُماَ

أول من قال ذلك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم، وكان أحمق، فزوَّجه أخوه سعدُ بن زيد نَوَار بنت حُلّ بن عديّ بن عبد مَنَاة ابن أد، ورجا سعد أن يولَد لأخيه، فلما بَنَى مالك بيته وأدخلت عليه امرأته انطلق به سعد حتى إذا كان عند باب بيته قال له سعد‏:‏ لِجْ بيتَكَ، فأبى مالك، مرارا، فقال‏:‏ لِجْ مَالِ ولَجْتَ الرَّجْمَ، والرجم‏:‏ القبر، ثم إن مالكا ولَجَ ونعلاه معلقتان في ذراعيه، ‏[‏ص 333‏]‏ فلما دنا من المرأة قالت‏:‏ ضَعْ نعليك، قال ساعداي أحْرَزُ لهما، فأرسلها مثلا، ثم أتى بطِبيبٍ، فجعل يجعله في استه، فقالوا‏:‏ ما تصنع‏؟‏ فقال‏:‏ استي أخْبَثِى، فأرسلها مثلا

1783- اُسْقِ أخَاكَ النَّمَرِيَّ

قال أبو عبيد‏:‏ أصله أن رجلا من النمر ابن قاسطٍ صحب كَعْبَ بن مَامَةَ وفي الماء قلة، فكانوا يشربون بالْحَصَاة، وكان كلما أراد كعب أن يشرب نظر إليه النمري فيقول كعب للساقي‏:‏ اسْقِ أخاك النمري، فيسقيه، حتى نفذ الماء ومات كعب عطشاً‏.‏

يضرب للرجل يطلب الحاجة بعد الحاجة

1784- اُسْقِ رَقَاشِ إِنَّها سَقَّايَة

رَقَاشِ مثل حذام مبني على الكسر‏:‏ اسم امرأة‏.‏

يضرب في الإحسان إلى المحسن‏.‏

1785- اُسْتَنَّتِ الِفصَالُ حَتَّى القَرْعى

ويروى ‏"‏اسْتَنَّتِ الفُصْلاَن حتى القريعى‏"‏

يضرب للذي يتكلم مع مَنْ لا ينبغي أن يتكلم بين يديه لجلالة قدره‏.‏

والقَرْعى‏:‏ جمع قَريع مثل مَرْضَى ومَرِيض، وهو الذي به قَرَع، بالتحريك، وهو بَثْر أبيض يخرج بالفصال، ودواؤه المِلْحُ وحَبَابُ ألبان الإبل، ومنه المثل‏"‏هو أحَرُّ مِنَ الْقَرَعِ‏"‏‏.‏

1786- سِرْحَانُ القَصيِمِ

هذا مثل قولك‏"‏ذئب الغضى‏"‏

والقصيم‏:‏ رملة تنبت الغَضَى

1787- سَمِّنْ كَلبْكَ يَأْكُلْكَ

ويروى ‏"‏أسْمِنْ‏"‏

قالوا‏:‏ أول من قال ذلك حازم بن المنذر الحمَّاني، وذلك أنه مر بمحلة هَمْدَان فإذا هو بغلام ملفوف في المَعَاوِز ‏(‏المعاوز‏:‏ جمع نعوز - بوزن منبر - وهو الثوب الخلق‏)‏، فرحِمَه وحَمَله على مُقَدَّم سَرْجه حتى أتى به منزله وأمر أمةً له أن ترضعه، فأرضعته حتى فطم وأدرك وراهق الحُلم، فجعله راعيا لغنمه وسَمَّاه جُحَيْشاً، فكان يرعى الشاء والإبل، وكان زاجرا عائفا، فخرج ذاتَ يومٍ فعرَضَت له عُقَاب، فعافها، ثم مر به غدَاف فزجره، وقال‏:‏

تُخْبِرُنيِ شواحِجُ الغُدْفَانْ * والخُطْبُ يَشْهَدْنَ مع العِقْبَانْ ‏(‏الخطب‏:‏ جمع أخطب، وهو الصرد والصقر‏)‏

أني جُحَيْش مَعْشرِى هَمْدانْ * ولَسْتُ عَبْداً لبني حَّمانْ

فلا يزال يتغنى بهذه الأبيات، وإن ابنةً لحازم يقال لها رَعُوم هَوِيَت الغلام وهَوِيَهَا، وكان الغلام ذا منظر وجمال، ‏[‏ص 334‏]‏ فتبعه ذاتَ يوم حتى انتهى إلى موضع الكلأ فسرح الشاء فيه واستظلَّ بشجرة واتكأ على يمينه وأنشأ يقول‏:‏

أمَالَكَ أم فُتدْعَى لَهَا * ولا أنت ذُو وَالِدٍ يُعْرَفُ‏؟‏

أرى الطَّيْرَ تُخْبِرُنِي أنَّنِي * جحيش وأنَّ أبى حرشف

يقولُ غُرَابٌ غدا سَانِحاً *وشاهده جاهدا يَحلِفُ

بأنِّى لهَمْدَانَ في غرّهَا * وَمَا أنا جاَفٍ ولا أهْيَفُ

ولكنَّنِي من كرام الرجال * إذا ذكر السَّيِّدُ الأشْرَفُ

وقد كَمنتْ له رَعُوم تنظر ما يصنع، فرفع صوته أيضاً يتغنى ويقول‏:‏

يا حَبَّذَا رَبِيبَتِي رَعُومُ * وحَبَّذَا مَنْطِقُهَا الرَّخِيمُ

وَرِيحُ مَا يأتي بهِ النَّسِيمُ * إنِّي بها مكلّفٌ أهِيمُ

لو تعلمين العلم يا رَعُومُ * إنَي مِنْ هَمْدَانِهاَ صَميمُ

فلما سمعت رَعُومُ شعره ازدادت فيه رغبة وبه إعجابا، فدنت منه وهي تقول‏:‏

طار إلَيْكُمْ عَرَضاً فُؤَادِي * وقَلَّ من ذِكْرَاكُمُ رُقاَدِي

وَقَدْ جَفَا جَنْبي عن الوِسَادِ *أبيتُ قَدْ حاَلَفنِي سُهَادِي

فقام إليها جُحَيش فعانقها وعانقته، وقعدا تحت الشجرة يتغازلان، فكانا يفعلان ذلك أيَّاماً، ثم إن أباها افْتَقَدَها يوماً وفَطِنَ لها فرصَدَها، حتى إذا خرجت تبعها فانتهى إليهما وهما على سوأة، فلما رآهما قال‏:‏ سَمِّنْ كَلْبَكَ يأكلك، فأرسلها مثلا، وشدَّ على جُحَيش بالسيف فأفلت ولحق بقومه هَمْدان، وانصرف حازم إلى ابنته وهو يقول‏:‏ مَوْتُ الْحُرَّة خيرٌ من العَرَّة، فأرسلها مثلا، فلما وصل إليها وجدها قد اختنقت فماتت، فقال حازم‏:‏ هَان عَلَيَّ الثُّكْل لسوء الفعل، فأرسلها مثلا، وأنشأ يقول‏:‏

قَدْ هَانَ هذَا الثُّكْلُ لَوْلاَ أَّننِي * أحْبَبْتُ قَتْلكِ بالُحساَم الصَّارِمِ

ولقد هَمَمْتُ بذاك لولا أنني *شَمَّرْتُ في قتل اللَّعِينِ الظالم

فَعَلَيْك مَقْتُ الَلهِ مِنْ غَدَّارةٍ * وعَلَيْكِ لَعْنَتُهُ ولعنة حَازِمِ

وقال قوم‏:‏ إن رجلا من طَسْم ارتَبَطَ كلبا، فكان يُسَمنه ويطعمه رجاء أن يصيدَ به، فاحتبس عليه بطعمه يوما، فدخل عليه صاحبُه فوثَب عليه فافترسه، قال عوف بن الأحوص‏:‏ ‏[‏ص 335‏]‏

أرَانِي وعَوْفاً كالْمُسَمِّنِ كَلْبَهُ * فخدشه أنيابه وأظافره

وقال طرفة‏:‏

ككَلْب طَسْم وَقَدْ تَرَبَّبَهُ * يَعُلهُ بالْحَليِب فِي الْغَلَسِ

طلَّ عَلَيْه يَوماً بقَرْقَرَةٍ * إنْ لاَ يَلْغِ فِي الدماء يَنْتَهِسِ

1788- أَسَافَ حَتَّى مَا يَشْتَكيِ السَّوَافَ

الإسافة‏:‏ ذَهَاب المالِ، يقال‏:‏ وقَعَ في المال سَوَاف، بالفتح، أي موت، هذا قول أبي عمرو ‏.‏

وكان الأصمعي يضمه ويلحقه بأمثاله‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ يضرب لمن مَرنَ على جوائح الدهر فلا يجزع من صروفه‏.‏

1789- سِرْ وَقَمرٌ لَكَ

أي اغتنم العمَلَ ما دام القمر لك طالعا يضرب في اغتنام الفُرْصة ‏.‏

ويروى ‏"‏أسْرُ وقمرلك‏"‏من السُّرَى، والواو في الروايتين للحال‏:‏ أي سر مُقْمِراً‏.‏

1790- أَساَئِرٌ الْقَوْمُ وَقَدْ زَالَ الظُّهْرُ

قال يونس‏:‏ أصله أن قوما أغِيرَ عليهم، فاستصرخوا بني عمهم، فابطئوا عنهم حتى أسِرُوا وذُهِبَ بهم، ثم جاؤا يسألون عنهم، فقال لهم المسئول هذا القول‏.‏

يضرب في اليأس من الحاجة، يقول‏:‏ أتطمع فيما بعد وقد تبين لك اليأس‏.‏

1791- سَالَ الْوَادِي فَذَرْهُ

يضرب للرجل يُفَرِّطُ في الأمر‏.‏

1792- أَساَءَ رَعْياً فَسَقَي

أصله أن يُسيء الراعي رَعْيَ الإبل نهاره، حتى إذا أراد أن يُريحها إلى أهلها كره أن يظهر لهم سوء أثره عليها فيسقيها الماء لتمتلىء منه أجوافُها‏.‏

يضرب للرجل لا يُحْكِم الأمر ثم يريد إصلاحه فيزيده فساداً‏.‏

1793- سلُّوا السُّيُوفَ وَاسْتَلَلْتُ الَمنْتَنَ

قالوا‏:‏ الْمَنْتَنُ السيفُ الردىء ‏.‏

يضرب للرجل لا خير عنده يريد أن يلحق بقوم لهم فعال‏.‏

قلت‏:‏ لفظ الْمَنْتن معناه مما ينبو عنه السمع ولا يطمئنُّ إليه القلب، والله أعلم بصحته‏.‏

1794- سَوَاءٌ عَلَيْنَا قَاتِلاَهُ وَساَلبُه

وأوله *فَمُرَّا على عُكْلٍ نُقَضِّ لُبَانَةً*

قالوا‏:‏ معناه إذا رأيتَ رجلا قد سَلَبَ رجلا دَلّكَ على أنه لم يسلبه وهو حي ممتنع، فعلم بهذا أنه قاتله، فمن هذا جعلوا السالب قاتلا، وتمثل به معاوية في قَتَلَة عثمان رضي الله عنه، ورأيت في شرح ‏[‏ص 336‏]‏ الإصلاح للفارسِيِّ أبياتاً ذكر أنها للوليد ابن عقبة أولُها‏:‏

بني هاشم كَيْفَ الهَوَادَةُ بيننا * وعند علّيٍ دِرْعُهُ ونَجَائِبُهْ

قَتْلتُمْ أخي كَيْمَا تكونوا مَكانَهُ * كما غَدَرَتْ يوماً بِكِسْرَى مَرَازِبُهْ

وإلا تحللْهَا يُعَالُوكَ فَوْقَهَا * وكَيْفَ يُوَقَّى ظَهْرُ مَا أَنْتَ رَاكِبُهْ

ثَلاَثَةُ رَهْطٍ قاَتِلاَنِ وَسَالِبٌ * سَوَاء عَلَيْنَا قاتِلاَهُ وَسَالِبُهْ

قال‏:‏ يعني بالقاتلين التجيبي ‏(‏التجيبي‏:‏ كنانة بن بشر قاتل عثمان رضي الله عنه، من تجيب بطن من كندة ‏)‏

ومحمد بن أبي بكر، وبالسالب عليّاً رضي الله عنه‏.‏

1795- ساَجَلَ فُلاَنٌ فُلاَناً

أصله من السَّجْل، وهو الدَّلْو العظيمة، والمُسَاجلة‏:‏ أن يَسْتَقى ساقيان فيُخْرِج كل واحد منهما في سَجْله مثلَ ما يخرج الآخر فأيهما نكَل فقد غُلب، فضربت العربُ به المثلَ في المفاخرة والمساماة، قال الفضل بن العباس بن عُتْبة بن أبي لَهَبٍ‏:‏

مَنْ يُسَاجِلْني يسَاجِلْ ماجداً * يَمْلأَ الدَّلْو إلى عَقْد الكَرَبْ

يقال‏:‏ إن الفرزدق مرَّ بالفضل وهو يستقي وينشد هذا الشعر فَسَرَى الفرزدق ثيابَه عنه، وقال أنا أسَاجِلُكَ، ثقةً بنسبه، فقيل له‏:‏ هذا الفضل بن العباس بن عُتْبة بن أبي لهب، فردَّ الفرزدق عليه ثيابه، وقال‏:‏ ما يساجلك إلا من عَضَّ أيْرَ أبيه

1796- سَبَقَ دِرَّتَهُ غِرَارُهُ

الغِرار‏:‏ قلة اللّبن، والدرة‏:‏ كثرته، أي سبق شره خيره، ومثله‏:‏

1797- سَبَقَ مَطَرَهُ سَيْلُهُ

يضرب لمن يسبق تهديدُه فعلَه‏.‏

1798- سَرْعَاَنُ ذَا إِهَالَةً

سَرْعان‏:‏ بمعنى سرع، نقلت فتحة العين إلى النون فبنى عليها، وكذلك وَشْكان وعَجْلان وشَتّان، قال الخليل‏:‏ هي ثلاث كلمات سَرْعان، وعَجْلان، ووَشْكان، وفي وَشْكان وسَرْعان ثلاث لغات‏:‏ فتح الفاء، وضمها، وكسرها، تقول العرب‏:‏ لَسَرْعَانَ ما خَرَجْتَ، ولَسَرْعَانَ ما صَنَعْتَ كذا‏.‏

وأصل المثل أن رجلا كانت له نَعْجة عَجْفاء، وكان رُغَامها يسيل من منخريها لهزالها، فقيل‏:‏ وَدَكُها، فقال السائل‏:‏ سَرْعَان ذا إهَالَةً‏:‏ نصب إهالة على الحال، وذا‏:‏ إشارة ‏[‏ص 337‏]‏ إلى الرُّغَام، أي سَرُع هذا الرغام حالَ كونه إهالة، ويجوز أن يُحْمَل على التمييز على تقدير نقل الفعل، مثل قولهم‏:‏ تَصَبَّبَ زيدٌ عَرَقاً‏.‏

يضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته

1799- سَمْنُكُمْ هُرِيقَ فيِ أَدِيمِكُمْ

يضرب للرجل يُنْفِقُ مالَه على نفسه، ثم يريد أن يمتنَّ به‏.‏

1800- سَمِنَ حَتَّى صَارَ كأنَّهُ الَخْرْسُ

قالوا‏:‏ الخَرْسُ الدَّنُّ العظيم، والخَرَّاسُ‏:‏ صانعه‏.‏

1801- سُوءُ حَمْلِ الفَاقَةِ يَضَعُ الشَّرَفَ

أي إذا تعرض للمطالب الدَّنِيَّةِ حَطَّ ذلك من شرفه، قال أوس بن حارثة لابنه‏:‏ خيرُ الغنى القُنُوع، وشر الفقر الخُضُوع، وينشد‏:‏

ولقد أبِيتُ عَلَى الطّوَى وَأظَلّهُ * حَتَّى أَنَالَ بِه كَرِيمَ المأْكَلِ

أراد أبيتُ على الطوى وأظل عليه، فحذف حرف الجر وأصل الفعل، والباء في ‏"‏به‏"‏ بمعنى مع، أي حتى أنال مع الجوع المأكَلَ الكريمَ فلا يُتَّضع شرفي ولا تنحطُّ درجتي، وينشد أيضاً‏:‏

فَتىً كان يُدْنِيِه الغِنَي من صَدِيقِهِ * إذَا ما هُوَ اسْتَغْنَي ويُبْعِدُهُ الفَقْرُ

والأصلُ في هذا كلام أكثم بن صيفي حيث قال‏:‏ الدنيا دُوَل، فما كان منها لك أتاك على ضَعْفك، وما كان منها عليك لم تَدْفَعْه بقوتك، وسُوءُ حمل الغنى يْورِثُ مرحاً، وسوء حمل الفاقة يضع الشرفَ، والحاجة مع المحبة خيرٌ من البغضة مع الغنى والعادة أمْلَكُ بالأدب ‏.‏

1802- سَمِنَ كَلْبٌ بِبُؤْسِ أَهْلِهِ

يقال‏:‏ كلبٌ اسمُ رجلٍ خِيف فسئل رَهْناً فرهَنَ أهله ثم تمكن من أموال مَنْ رهنهم أهلَه فساقها وترك أهله، قال الشاعر‏:‏

وفينا إذا ما أنْكَرَ الكَلْبُ أهْلَهُ * غَدَاةَ الصَّبَاحِ الضَّارِبُونَ الدَّوابِراَ

‏(‏كذا، ولعله ‏"‏غداة الصياح‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

يعني إذا خذل غيرُنا أهلَه تخلُّفاً عن الحرب فنحن نضرب الدروعَ، والدوابر‏:‏ حلَقُ الدُّروعِ، يقال‏:‏ درع مُقَابَلَة مُدَابَرَة، إذا كانت مُضَاعفة‏.‏

1803- اسْتَكَّتْ مَسَامِعُهُ

معناه صَمَتَ، وأصله السَّكَكُ، وهو صغر الأذنين، وكأنَّ السكك صار كنايةً عن انتفاء السمع، حتى كأن الأذن ليست، وفي انتفائها معنى الصَّمَم، والمراد منه صَمَّتْ أذنه ولا سَمِعَ ما يسره‏.‏ ‏[‏ص 338‏]‏

1804- اسْمَحْ يُسْمَحْ لكَ

ويروى ‏"‏أسْمِحْ‏"‏ بقطع الألف ‏.‏

يضرب في المُوَاتاة والمُوَافقة‏.‏

1805- أَساَءَ كَارِهٌ مَا عَمِلَ

وذلك أن رجلا أكْرَهَ رجلا على عمل فأساء عملَه فقال هذا المثل‏.‏

يضرب لمن تُطلب إليه الحاجة فلا يبالغ فيها‏.‏

1806- َاٌد مِنْ عَوَزٍ

السِّدَاد‏:‏ اسم من سَدَّ يَسُدَّ سَدّا، والسَّداد‏:‏ لغة فيه، قاله ابن السكيت، وقال ثعلب‏:‏ السِّداد من سَدّ يَسُد، والسَّدَاد من سَدَّ السهم يَسُدُّ، وقال النضر بن شميل‏:‏ أصل السِّداد شيء من اللبن يَيْبَس في إحليل الناقة، سمي به لأنه يَسُدُّ مَجْرَى اللبن، والعَوَز‏:‏ اسم من الإعواز، يقال‏:‏ أعْوَزَ الرجلُ، إذا افتقر، وعَوِز مثله، وعَوِز الشيء يَعْوَزُ عَوَزاً، إذا لم يوجد‏.‏

يضرب للقليل يسد الخَلَّة ‏.‏

1807- سَبَّحَ ليَسْرِقَ

يضرب لمن يُرَائي في عمله‏.‏

1808- سَلأََتْ وأَقَطَتْ

أي أذَابَتِ السمنَ وجَفَّفَتِ الأقِطَ‏.‏

يضرب لمن أخْصَبَ جنابه بعد جَدْب

1809- استُرْ عَوْرَةَ أَخِيكَ لِمَا يَعْلَمُهُ فِيكَ

أي إن بحثْتَ عنه بحثَ عنك، كقولهم‏:‏ من نَجَلَ الناسَ نَجَلُوه

1810- سَفِيهٌ مَأْمُورٌ

هذا من كلام سعد بن مالك بن ضُبَيعة للنعمان بن المنذر، وقد ذكرته في قولهم‏"‏إن العصا قُرِعَتْ لذي الحلم‏"‏‏.‏

1811- سَوَاءُ ُهَو والعَدَمُ

ويقال‏:‏ العُدْم، وهما لغتان، ويروى‏:‏ سواء هو والقَفْرُ، أي إذا نزلْتَ به فكأَنك نازل بالقِفَار المُمْحِلَة، قاله أبو عبيد‏.‏

يضرب للبخيل‏.‏

1812- سَمِنَ فَأَرِنَ

الأرَنُ‏:‏ النشاط، يقال‏:‏ أرِنَ فهو أرِنٌ وأرُونُ مثل مَرِحٍ ومَرُوح‏.‏

يضرب لمن تَعَدَّى طَوْره‏.‏

1813- سَوَّاءٌ لَوَّاءٌ

هما فَعَّال من اسْتَوَى والْتَوَى

قلت‏:‏ هذا شاذ‏:‏ أن يبنى فَعَّالٌ من غير الثلاثي، ومثل قول الأخطل‏:‏

لاَ بِالْحَصُورِ وَلا فِيهَا بِسأَّرِ*

وقولهم جَبَّار، وهما من اسْأرْت وأجْبَرْتُ‏.‏ ‏[‏ص 339‏]‏

والمثل يضرب للنساء، أي هن يستوين ويلتوين ويجتمعن ويتفرقن ولا يثبتن على حال واحدة، ويضرب للمُتَلَوِّن‏.‏

ويقال أيضا للنساء‏:‏

1814- سَوَاهٍ لَوَاهٍ

من السَّهْو واللَّهْو، يعني أنهن يَسْهُونَ عما يجب حفظُه ويشتغلن باللهو‏.‏

1815- سُرِقَ السَّارِقُ فَانْتَحَرَ

يقال ‏"‏انْتَحَرَ الرجلُ‏"‏ إذا نَحَر نفسه حزنا على ما فاته‏.‏

وأصله أن سارقاً سرق شيئاً فجاء به إلى السوق ليبيعه، فسُرِقَ، فنحر نفسه حزناً عليه، فصار مثلاً للذي يُنتزع من يده ما ليس له فيجزع عليه، يقال‏:‏ سَرَق منه مالاً، وسَرَقَه مالاً، على حذف حرف الجر وتعدية الفعل بعد الحذف، أو على معنى السَّلْب كأنه قال‏:‏ سَلَبه مالاً‏.‏

وتقدير المثل سُرِق السارقُ سرقَتَه، أي مسروقه، فانتحر‏:‏ أي صار منحوراً كمداً‏.‏

1816- سَفِيهُ لَمْ يَجِدْ مُسَافِهاً

هذا المثل يروى عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما، قاله لعمرو بن الزبير حين شمته عمرو‏.‏

1817- السَّليِمُ لاَ يَنَامُ َولاَ يُنِيمُ

قال المفضل‏:‏ أول مَنْ قال ذلك إلياس ابن مُضَر، وكان من حديث ذلك - فيما ذكر الكلبي عن الشَّرْقي بن القطامي - أن إبل إلياس نَدَّتْ ليلاً، فنادى ولدَه وقال‏:‏ إني طالب الإبل في هذا الوجه، وأمر عَمْرا ابنه أن يطلب في وَجْه آخر، وترك عامراً ابنه لعلاج الطعام، قال‏:‏ فتوجه إلياس وعمرو وانقطع عمير ابنه في البيت مع النساء، فقالت ليلى بنت حُلْوان امرأتُه لإحدى خادميها‏:‏ اخرجي في طلب أهلك، وخرجت ليلى فلقيها عامر محتقباً صيداً قد عالجه، فسألها عن أبيه وأخيه فقالت‏:‏ لا علم لي، فأتى عامر المنزل وقال للجارية‏:‏ قُصِّي أثر مولاك، فلما ولَّت قال لها‏:‏ تَقَرْصَعِي، أي اتئدي وانقبضي، فلم يَلْبَثوا أن أتاهم الشيخ وعمرو ابنه قد أدرك الإبل، فوضع لهم الطعام، فقال إلياس‏:‏ السليم لا ينام ولا ينيم، فأرسلها مثلاً، وقالت ليلى امرأته‏:‏ والله إن زِلْتُ أخَنْدِفُ في طلبكما والهة، قال الشيخ‏:‏ فأنت خِنْدِف، قال عامر‏:‏ وأنا والله كنت أدْأبُ في صَيْدٍ وطَبْخٍ، قال‏:‏ فأنت طَابِخَةٌ قال عمرو‏:‏ فما فعلت أنا أفضل، أدْرَكْتُ الإبلَ، قال‏:‏ فأنت مُدْرِكة، وسمي عميراً قمعَةً، لانقماعه في البيت، فغلبت هذه الألقاب على أسمائهم،‏[‏ص 340‏]‏

يضرب مثلا لمن لا يستريح ولا يُريح غيرَه‏.‏

1818- اسْعَ بِجَدَّكَ لاَ بِكَدِّكَ

قالوا‏:‏ إن أول من قال ذلك حاتم بن عميرة الهَمْدَاني، وكان بَعَثَ ابنيه الحِسْلَ وعاجنة إلى تجارة، فلقي الحِسْلَ قومٌ من بني أسد، فأخذوا ماله وأسروه، وسار عاجنة أياما ثم وقع على مالٍ في طريقه من قبل أن يبلغ موضع مَتْجَره، فأخذه ورجع وقال في ذلك‏:‏

كَفَائيِ اللّه بُعْدَ السَّيْر، إني * رَأيتُ الخَيْرَ في السفر الْقَرِيبِ

رأيتُ الْبُعْدَ فيِه شَقاً وَنأيٌ * ووَحْشَة كلِّ مُنْفَرِدٍ غَرِيبِ

فأسْرَعْتُ الإيابَ بخَيْرِ حالٍ * إلى حَوْرَاء خُرْعبُةٍ لَعُوبِ

وإني لَيْسَ يَثْنيني إذا ما * رَحَلتُ سنوحُ شَحَّاج نَعُوب

فلما رجع تباشَر به أهلُه، وانتظروا الحِسْل، فلما جاء إبَّانُه الذي كان يجيء فيه ولم يرجع رَابَهم أمرُهُ، وبعث أبوه أخاً له لم يكن من أمه يقال له شاكر في طلبِه والبحثِ عنه، فلما دنا شاكر من الأرض التي بها الحِسْلُ وكان الحسل عائفاً يَزْجُر الطيرَ فقال‏:‏

تُخَبِّرُنيِ بالنجاةِ القَطَاةُ * وقَوْلُ الْغُرَابِ بها شَاهِدُ

تقول‏:‏ ألاَ قَدْ دَنَا نَازِحٌ * فِدَاء له الطرف وَالتَّالِدُ

أخ لم تكُنْ أمُّنَا أمَّهُ * ولكن أبوُنا أبٌ واحِدُ

تداركَنِي رأفَةً حَاتِمٌ * فَنِعْمَ المربِّبُ وَالوَالِدُ

ثم إن شاكراً سأل عنه، فأخبر بمكانه فاشتراه ممن أسَره بأربعين بعيراً، فلما رجع به قال له أبوه‏:‏ اسْعَ بجَدِّك لا بكدك، فذهبت مثلا‏.‏

1819- سِرْ عَنْكَ

قالوا‏:‏ إن أول من قال ذلك خِدَاش بن حابس التَّميمي، وكان قد تزوج جارية من بني سَدوس يقال لها الرَّباب وغاب عنها بعد ما مَلَكها أعواما، فعلقها آخر من قومها يقال سلم، ففضحها، وإن سلما شَرَدَت له إبل فركب في طلبها، فوافاه خِداش في الطريق، فلما علم به خداش كتَمَه أمرَ نفسِه ليعلم علم امرأته، وسارا، فسأل سلم خداشا‏:‏ ممن الرجل‏؟‏ فخبره بغير نسبه، فقال سلم‏:‏

أغِبْتَ عَنِ الرَّبَابِ وَهَامَ سَلْمٌ * بِهَا وَلَها بِعِرْسِكَ يَاخِدَاشُ ‏[‏ص 341‏]‏

فَيَالَكَ بَعْلَ جاريةٍ هَوَاهَا * صَبُورٌ حين تَضْطَرِبُ الْكِبَاشُ

وَيَا لَكَ بَعْلَ جاريةٍ كَعُوبٍ ‏(‏كذا، ولعله‏"‏لعوب‏"‏أو ‏"‏كعاب‏"‏‏)‏ * تَزيدُ لذاذةً دُونَ الرَّيَاشِ

وَكُنْتَ بها أخَا عَطَشٍ شَدِيدٍ * وَقَدْ يَرْوَى عَلَى الظّمَأ العِطَاشُ

فإن أرْجِعْ وَيَأْتيهَا خِدَاش * سَيُخْبِرُهُ بمَا لاقى الفِرَاشُ

فعرف خداش الأمر عند ذلك، ثم دنا منه فقال‏:‏ يا أخا بني سَدوس، فقال سلم‏:‏ علقتُ امرأةً غاب عنها زوجُها، فأنا أنْعَمُ أهلِ الدنيا بها، وهي لذة عيشي، فقال خداش‏:‏ سر عنك، فسار ساعة، ثم قال‏:‏ حدثنا يا أخا بني سَدوس عن خليلتك، قال‏:‏ تَسَدَّيتُ خِباءها ليلا فبتُّ بأقر ليلة أعلُو وأعْلى وأعانِق وأفْعَلُ ما أهوى، فقال خداش‏:‏ سر عنك، وعرف الفضيحةَ، فتأخرَّ واخترط سيفه وغَطّاه بثوبه، ثم لحقه وقال‏:‏ ما آية ما بينكما إذا جئْتَها، قال‏:‏ أذهَبُ ليلا إلى مكان كذا من خِبائها وهي تخرج فتقول‏:‏

يالَيْلُ هَلْ مِنْ ساهرٍ فيكَ طالبٍ * هَوَى خلَّةٍ لا يَنْزَحَنْ مُلْتَقَاهُماَ

فأجاوبها‏:‏

نَعَمْ سَاهِرٌ قَدْ كَابَدَ الليلَ هائِم * بِهاَئِمَةٍ ما هَوَّمَتْ مُقْلَتَاُهُماَ

فتعرف أني أنا هو، ثم قال خداش‏:‏ سر عنك، ودنا حتى قَرَن ناقته بناقته، وضربه بسيفه فأطار قِحْفَهُ وبقي سائره بين سرخي الرَّحْل يضطرب، ثم انصرف فأتى المكانَ الذي وصَفه سلم، فقعد فيه ليلا، وخرجت الرَّباب وهي تتكلم بذلك البيت، فجاوبها بالآخر، فدنَتْ منه وهي ترى أنه سلم، فقنَّعها بالسيف ففلَق ما بين المفرق إلى الزور، ثم ركب وانطلق ‏.‏

يضرب في التغابي والتغاضي عن الشيء‏.‏ قلت‏:‏ بقي معنى قوله‏"‏سر عنك‏"‏ قيل‏:‏ معناه دَعْني واذْهَبْ عني، وقيل‏:‏ معناه لا تربع على نفسك، وإذا لم يربع على نفسه فقد سار عنها، وقيل‏:‏ العربُ تزيد في الكلام ‏"‏عن‏"‏ فتقول‏:‏ دع عنك الشك، أي دع الشك، وقيل‏:‏ أرادوا بعنك لا أبالك وأنشد‏:‏

فصار واليوم له بَلاَبِلُ * من حُبِّ جُمْلٍ عَنْكَ ما يُزَايِلُ

أي لا أبالك، فعلى هذا معناه‏:‏ سر لا أبالك، على عادتهم في الدعاء على الإنسان من غير إرادة الوقوع‏.‏

1820- اُسْتُ المسْؤُلِ أَضْيَقُ‏.‏

لأن العيب يرجع إليه، قاله أسَدُ بن ‏[‏ص 342‏]‏ خُزَيمة في وصيته لبنيه عند وفاته، قال‏:‏ يا بني اسألوا فإن اسْتَ المسؤل أَضْيَقُ‏.‏

1821- سُوءُ الاسِتْمسَاكِ خَيْرٌ مِنَ حُسْنِ الصِّرْعَةِ

يعني حصول بعض المراد على وجه الاحتياط خيرٌ من حصول كله على التهور‏.‏

1822- سَدِكَ بامْرِىءٍ جُعَلُهُ

أي‏:‏ أولِعَ به كما يُولَع الْجُعَل بالشيء ‏.‏

يضرب لمن يُفْسد شيئاً‏.‏

قال أبو زيد‏:‏ وذلك أن يطلب الرجل حاجة فإذا خلا ليذكر بعضَها، جاء آخر يطلب مثلها، فالأول لا يقدر أن يذكر شيئاً من حاجته لأجله فهو جُعَله، وقال‏:‏

إذا أَتَيْتُ سُلَيْمَى شبَّ ليِ جُعَلٌ * إنَّ الشَّقِيَّ الذي يُلْكَى به الُجْعَلُ

‏(‏يلكى به الجعل‏:‏ يولع به‏.‏‏)‏

وقال أبو الندى‏:‏ سَدِك بأمْرِي جُعَله، ومَنْ قال ‏"‏ بامرىء ‏"‏ فقد صَحَّف‏.‏

1823- سُقُوا بِكَأْسِ حَلاَقِ

يعني أنَّهم اسْتُؤْصِلوا بالموت، وحَلاَقِ‏:‏ اسمٌ للمنية لأنه يستأصِلُ الأحياء كما يستأصل الْحَلْقُ الشعْرَ ‏.‏

1824- سُلِّي هَذَا مِنَ اُسْتِكِ أَوَّلاً

يضرب لمن يَلُومك وهو أَحَقُّ باللوم منك ‏.‏

1825- سُبَّنِي وَأُصْدُقْ

يضرب في الحثِّ على الصدق في القول، وأصلُ السبِّ إصابة السُّبَّة، يعني الاست‏.‏

1826- سَيْرُ السّوَانِي سَفَرٌ لا يَنْقَطِعُ

السَّوَاني‏:‏ الإبلُ يُسْتَقى عليها الماء من الدوليب، فهي أبداً تسير‏.‏

1827- سَلَكُوا وَادِيَ تُضُلِّلَ

يضرب لمن عمل شيئاَ فأخطأ فيه‏.‏

1828- سَقَطَتْ بِهِ النَّصيِحةُ عَلَى الظِّنَّة

أي أسْرَفَ في النصيحة حتى اتُّهم‏.‏

1829- سَبَّكَ مَنْ بَلَّغَكَ السَّبَّا

أي مَنْ واجَهَك بما قَفاك به غيره من السبّ فهو السابّ‏.‏

1830- سَبِّحْ يَغْتَرُّوا

أي أَكْثِرْ من التسبيح يغترُّوا بك فيثقوا فتخونهم‏.‏

يضرب لمن نَافَقَ‏.‏

1831- سِيلَ بِهِ وَهْوَ لا يَدْرِي

أي ذهب به السيلُ، يريد دُهِي وهو لا يعلم‏.‏

يضرب للساهي الغافل، وقال‏:‏

يا مَنْ تمادى في مُجُون الْهَوَى * سالَ بك السَّيْلُ ولا تدْرِي ‏[‏ص 343‏]‏

1832- سِرُّكَ مِنْ دَمِكَ

أي ربما كان في إضاعة سرك إراقة دمك، فكأنه قيل‏:‏ سرُّك جزءٌ من دَمِكَ

1833- سُوءُ الاكْتِسَابِ يَمْنَعُ مِنَ الانْتِسَابِ

أي قُبْحُ الحال يمنع من التعرف إلى الناس‏.‏

1834- سَيْرَيْنِ في خُرْزَةٍ‏.‏

يضرب لمن يجمع حاجتين في حاجة، وقال‏:‏

سأجْمَعُ سَيْرَيْنِ في خُرزة * أمجِّدُ قومي وأحْمِي النَّعَمْ

وقال ابو عبيدة‏:‏ ويروى ‏"‏خرزتين في سير‏"‏ قال‏:‏ وهو خطأ، ونصب ‏"‏سيرين‏"‏ على تقدير استعمل أو جَمَع، قال أبو عبيد‏:‏ ويروى ‏"‏خرزتين في خرزة‏"‏‏.‏